تحقيق نسبة كتاب الأربعين النووية المنسوب لابن دقيق العيد

إن مما وفقني إليه الله تعالى من خدمة التراث الإسلامي أنني قمت بتحقيق كتاب شرح الأربعين المنسوب لابن دقيق العيد وقد تبين لي بعد البحث والتحقيق والرجوع إلى أكثر من مصدر أن ابن دقيق العيد بريئ من هذا الكتاب براءة الذئب من دم سيدنا يوسف حيث إني رجعت إلى كتاب : " كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون " فلم يذكر المؤلف ابن دقيق العيد من بين العلماء الذين شرحوا الأربعين وثمة هناك ما يدهش !؟ أن صاحب الشرح تراه تارة يعز بعض الأقوال إلى السعد التفتازاني وتارة إلى ابن رجب الحنبلي مع العلم أن السعد التفتازاني وابن رجب الحنبلي لم يعاصرا ابن دقيق العيد وأنهما ولدا بعده بما يقارب المئة سنة تقريبا فأنى له أن ينقل عنهما وثمة هذا الفارق بينهم من السنين
وأنه توفي قبل ولادتهما بمئة سنة .
ثم إني قمت بأخذ أكثر من شرح حديث من شروحات هذا الكتاب وقارنتهم مع شروح ابن دقيق العيد لهم في كتابه المثبت النسبة إليه " إحكام الأحكام "فلم أجد هنالك أية قرينة أو كلمة أو عبارة تدل على أن شرح كتاب الأربعين لابن دقيق العيد علما أن للسادة العلماء الأفاضل القدماء عبارات خاصة بهم يكررونها في أكثر من موضع في مصنفاتهم ومؤلفاتهم وشروحهم .
كقول السعد التفتازاني في كتابه القيم " التلويح على التوضيح ":" وأنت خبير "وكقول ابن عابدين في حاشيته الشهيرة "فليتدبر وليتأمل " ونحو ذلك .
فلم أجد أي كلمة أو عبارة استخدمها ابن دقيق العيد في كتابه " إحكام الأحكام "قد استخدمها في شرح أحاديث الأربعين وفي هذا أدل دليل على أن الشرح ليس لابن دقيق العيد .
فعلى ما يبدو وبعد التحقيق أن هذا الكتاب منسوب لابن دقيق العيد نسبة وبهتانا وزورا لما علم عنه رحمه الله تعالى من علمه وشرحه وقدرته الفذة في الإطناب والإسهاب في شرح المسائل وأنه مجتهد حافظ فقيه أصولي لا نظير له في عصره . فلعل الكتاب بنسبته إليه يلاق رواجا بين أيدي القراء و طلبة العلم ولعل هذا مقصد ناسب هذا الكتاب إليه والله تعالى أعلم .ومن المؤسف جدا أن كثيرا من العلماء ينقلون من هذا الكتاب بعض الأقوال بظن منهم واعتقاد أنه لابن دقيق .
فهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنه يجب علينا قبل أن ننقل شيئا من أي كتاب أن نتحقق من صحة نسبة الكتاب لمؤلفه حتى لا نكون ممن يساهم مع هؤلاء الذين ليس لديهم أمانة علمية في تشويه صورة سلفنا الصالح ونشر المعلومات الخاطئة بين أيدي القراء والطلبة .
مع رجاء دعوة صالحة في ظهر الغيب